ادم

موقع أيام نيوز

.. جلس على الرمل ينظر الى البحر الثائر كثوران نفسه .. تنهد بقوة وهو يستشعر مدى الإنحدار الذى أوصله اليه عقله .. تذكر نظرات آيات يوم أن علمت بحقيقته .. نظرت اليه بتقزز ثم أغمضت عينها حتى تتجنب رؤياه .. وصمت أذنيها لتتجنب سماع صوته .. شعر الآن بما كانت تشعر به وقتها.. فها هو يشعر بالتقزز من نفسه ومن كل شئ فيه .. يشعر بأنه غارق فى مستنقع لزج كلما حاول النهوض جذبه اليه مرة أخرى حتى استسلم له تماما .. ظل صوت يهتف بداخله .. انهض يا آدم .. انهض .. فصاح صوت آخر .. أمثلى يستطيع النهوض ! .. لقد أغرقنى المستنقع بقذارته حتى لم أعد أشتم الا تلك العفونة المنبعثة منى .. لن أستطيع النهوض .. لكنى رغما عنى .. لم أعد أطيق تلك الرائحة التى أصبحت تصيبنى بالغثيان .
جلست آيات تبكى وتتضرع الى الله أن ينقذ والدها وأن يحفظه لها .. أخيرا خرج الطبيب المسؤل عن حالته فهبت واقفة وهى تنظر اليه پخوف وقلق قائله 
بابا عامل ايه دلوقتى .. ممكن أشوفه
قال الطبيب وعلامات الإشفاق على وجهه 
للأسف .. عضلات القلب ضعيفه وفى صمام تالف لازم عملية تبديل صمام فى أقرب وقت
أجهشت آيات فى البكاء .. فأحاطتها حليمة الباكية بذراعيها .. فقال الطبيب 
المشكلة ان العملية أصلا فيها خطۏرة عليه لان زى ما قولت عضلات القلب ضعيفه .. بس فى نفس الوقت مينفعش نتنى على العملية أكتر من كده
قالت آيات من بين شهقات بكائها 
يعني نعمل ايه 
قال الطبيب 
بصى يا بنتى الحالتين فيهم خطۏرة سواء انتظرنا أو عملنا العملية .. بس رأيى الشخصي اننا نعمل العلمية ونتوكل على الله
ثم قال 
طبعا لازم موافقة حد من أهله
قالت آيات وهى تحاول أن تتمالك نفسها 
طيب هرد عى حضرتك النهاردة وأقولك عنعمل ايه
قال الطبيب 
معاكى لحد اسبوع لان مينفعش ندخله العلميات دلوقتى .. لما حالته تستقر شويه
انصرف الطبيب وترك آيات غارقة فى

حيرتها وخۏفها
كانت إيمان فى طريقها الى عملها عندما استقلت الحافلة وجلست بجواء الشباك تتطلع منه الى الطريق بعقل نصف منتبه .. كان الشرود بادى عليها وهى مستغرقه فى التفكير .. لكنها انتبهت فجأة على ضحكات عاليه من المقعد خلفها .. سمعت شابا يقول لآخر 
أهى واقفة مش لاقيه حته تعد فيها
فقال الآخر ضاحكا 
طبعا يا ابنى ودى يجبولها كرسى يكفيها ازاى دى
نظرت إيمان أمامها لتجد سيدة بدينة للغاية تقف وهى تتمسك بأحد المقاعد وحبات العرق تتصبب فوق جبينها فتسمحها بمنديلها وتعود لتتمسك بيديها فى المقعد .. سمعت الشاب يقول 
حد يقولها تقف فى النص بلاش تركن أوى على الجمب اليمين أحسن الأتوبيس يتقلب بينا
ضحك زميله وهو يقول 
أو ممكن نجيب فيل ونحطه الجه التانية عشان يبقى فى توازن
شعرت إيمان بالعبرات الساخنه تتساقط فوق وجهها وهى تستمع الى سخرية الشابين من تلك المرأة .. لم تكن إيمان فى مثل بدانتها لكنها شعرت بكلمات الشابين كالخناجر تطعن فيها هى .. وكأن كلماتهما موجهة اليها .. ألقت نظرة شفقه على تلك السيدة وهى تحسبن على الشابين فى الخلف .. ألا يعلم مثل أولئك النهى الربانى فى سورة الحجرات يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون .. ألا يعلم أولئك الجهال أن الله لا ينظر الى الأجساد لكنه ينظر الى عمل تلك الأجساد إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم .. ألا يعلمون أن الإنسان كرمه الله عز وجل وأسجد له ملائكته وعلمه من علمه لذلك وجبت المحافظة على كرامته مصانه غير مهانه .. ألا يعلم أولئك الذين يسخرون ويستهزأون من غيرهم من ذوى البدانة أن أحيانا تكون تلك البدانة أمرا وراثيا لا دخل للإنسان فيها .. كلون عينيه و لون شعره ولون بشرته وشكل أنفه و طوله وقصره .. كيف تلوم انسان أن لون عينيه أسود ! .. كيف تلومه لأنه قصير القامة ! .. كيف تلومه لأن أنفه كبير ! .. هو لم يخلق نفسه بل الله خلق والله جميل يحب الجمال لا يخلق شيئا قبيحا أبدا .. لكن لا يوجد انسان كامل فالكمال لله وحده فقط .. ومقاييس الجمال والدمامه نسبيه من شخص لآخر .. قد يفضل رجل الشقراوات وآخر يفضل السمراوات .. قد يفضل رجل النحيلات ويفضل آخر البدينات .. لكن الغير مقبول هو الاستهزاء بما لا يروق لك .. ودت إيمان لو صړخت فى وجوه الشابين قائله ألم تعلموا بأن الله أعد عذابا شديدا وهلاكا ودمارا لكل من يستهزئ بغيره ويعيب فيهم ويغتابهم ويل لكل همزة لمزة .. وفى أحد التفسيرات أن الويل هو وادى فى جهنم .. مسحت إيمان عبراتها المتساقطة وهى تتذكر أن الله عادل لا يظلم أبدا ولذلك أعطى تلك المرأة من حسنات هاذين الشابين ما الله به عليم .
جلس آدم فى مكتبه يطالع حاسوبه ويطمئن على سير العمل فى القرية .. شعر بالسعادة عندما وجد الإقبال على قريته فى يومها الأول بعد الإفتتاح فاق توقعاته .. شعر بأنه سيصل الى حلمه بأسرع مما ظن .. دخل زياد مكتبه وعلى وجهه علامات العبوس .. قال له آدم مبتسما بسعادة 
شوفت كام نزيل فى القرية ومن أول يوم
قل زياد واجما 
أيوة شوفت
نظر اليه آدم يرقب تعبيرات وجهه برهه ثم قال 
ايه فى ايه يا زياد .. فى مشاكل ولا حاجه
نظر اليه زياد بعتاب قائلا 
البنت بتاعة امبارح باتت معاك يا آدم 
ظهر على آدم علامات التبرم .. فقال زياد پحده 
شوفتكوا وانتوا رايحين جهة الشاليه بتاعك .. باتت عندك مش كده
نظر اليه آدم قائلا ببرود 
لأ .. ارتحت
نظر اليه زياد متفرسا ثم قال 
يبقى كنت ناوى بس فى حاجة منعتك
زفر آدم بضيق فقال زياد 
لو مكنتش صحبى وبحبك مكنتش اهتميت وكنت قولت يولع هو وهيا وأنا مالى .. بس أنا خاېف عليك يا آدم
قال آدم بضيق 
متخافش يا زياد .. وبعدين متعكرش مزاجى أنا فرحان وسيبنى أشوف شغلى بمزاج
أن ينصرف زياد قال له آدم 
آه زياد .. جهز نفسك النهاردة عشان افتتاح الملهى الليلى
قال له زياد بتبرم 
مش عارف ايه لزمتها
قال آدم بحزم 
لازمتها اننا بنجذب السياح وبنجذب المصريين اللى عايزين قرية سياحية كاملة من كله .. خاصة بأه ان قرية الفيروز مفيهاش ملهى ليلى ولا فيها مساحة ينفع يتعمل فيها ملهى ليلى ولا حتى فيها ترخيص ملهى ليلى
قال زياد بضيق 
يعني مينفعش نجذب الناس للقرية بتاعتنا غيرب الكباريه ده
قال آدم پحده 
ماسموش كباريه .. ده مكان فيه رقص وشرب مش أكتر من كده متحسسنيش انى هفتح بيت ډعارة فى القرية
قال زياد متبرما 
طيب انت حر .. مع انى مش مستريح للموضوع ده .. لان نوعية الناس اللى هتدخله مش هتبقى مظبوطة
قال آدم بنفاذ صبر 
اللى مش مظبوط نظبطه أمال البودى جاردز اللى أنا جايبهم دول جايبهم ليه
أومأ زياد رأسه بعدم اقتناع ثم غادر المكتب
توجهت آيات الى مكتب محامى والدها بالشركة .. لتسأله عن كيفية سحب أموال من حساب والدها تكفى للعملية .. فليس لها حساب خاص بها .. لكن المحامى صدمها بشدة عندما قال فى أسف 
أنا عارف انها هتبقى صدمة بكيرة عليكي بس أنا مضطر أصارحك .. باباكى اتعرض لخسارة جامدة جدا .. الأرصدة كلها اتجمدت واتحجز على الفيلا والشركة وكل حاجة بإسم عبد العزيز بيه
نظرت اليه آيات مصډومة وقد فغرت فاها .. فاكمل قائلا 
لو ابتاعت الشركة بالفيلا بكل مشتملاتهم يدوبك هتقضى الدين اللى على باباكى لأن حجم الاستثمارات كان كبير جدا وللأسف سهمنا نزل جامد فى البورصة وكل يوم بينزل عن اليوم اللى ه
غارت عيناها وقد عقد لسانها من الصدمة لا تدرى ما تقول .. فقال المحامى 
أنصحك يا آنسة آيات ببيع كل شئ عشان تسديد الديون .. لان كل ما اتأخرتى فى البيع كل ما السهم نزل أكتر
قالت آيات بنظرات دامعة 
يعني ايه .. مفيش فلوس يعمل العملية 
قال المحامى 
ممكن تستأذنى حد من أصحاب الدين انك تتأخرى شوية فى السداد .. بس لازم البيع فى أقرب وقت
قالت آيات بحيرة وأسى 
ازاى يعني هبيع أنا مفيش حاجة بإسمى كل حاجة بإسم بابا
قال المحامى 
أنا معايا توكيل منه .. بس محتاج آخد موافقتك .. على فكرة ما والدك يدخل المستشفى كنا بنتكلم فى القطة دى وأكيد كان هيوافق على البيع
فكرت آيات بعقل مشتت .. لم تجد غير أن ستتمع الى كلام المحامى .. فقالت بأعين دامعة 
خلاص حضرتك اتصرف .. المهم يكون معايا فلوس فى اقرب وقت عشان عملية بابا هتتكلم جامد
طمأنها المحامى قائلا 
متقلقيش ان شاء الله البيع ينتهى بسرعة .. بس ياريت تعملى حسابك وتفضى الفيلا فى اليومين الجايين
شعرت آيات بالحزن والألم والقهر لكنها تمتمت 
انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها
خرجت آيات من مكتب المحامى لتركب سيارتها بآلية .. وصلت الى المستشفى وجلست فى الخارج بعدما رفض الطبيب السماح لها بالدخول .. جلست على أحد المقاعد تنهمر العبرات من عينيها فى ألم ولسانها لا يفتر عن الدعاء لوالدها والتضرع الى الله بشفاءه
خرج آدم من مكتبه ليجد ساندى ټتشاجر مع احدى الموظفات .. ثم أت على آدم قائله بحدة 
آدم البنت دى تطرد فورا
نظر آدم الى الفتاة الواقفة وقال 
ملها عملت ايه 
قالت ساندى بتعالى 
مش عايزه تسمع الكلام .. بقولها تدينى حسابات النزلاء عشان أراجعها رفضت .. بنت قليلة الأدب لازم تطردها
أمر الفتاة بالإنصراف ثم نظر آدم پغضب الى ساندى قائلا 
أنا هنا اللى اقول مين يمشى ومين يستنى .. وبعدين انتى عايزة الحسابات تراجعيها ليه .. مالك انتى ومال الحسابات .. انتى وظيفتك هنا فى العلاقات العامة وبس
قالت ساندى پحده 
دى قرية بابا وأعلم فيها اللى أنا عايزاه
قال آدم بصرامة 
اسمعى يا ساندى .. هتلتزمى بشغلك هنا وتبعدى عن طريق يبقى تمام ومفيش مشاكل .. أما لو فضلتى تدخلى فى اللى ميخصكيش يبقى تروحى تشتغلى فى شركة باباكى اللى فى القاهرة احسن
نظرت اليه ساندى بغيظ وقالت پحده 
اظاهر ان انت نسيت ان دى قرية بابا وانت شغال عنده
قال آدم پعنف 
لا دى قريتي زى ما هى قريته أنا شريكه مش شغال عنده
رمقها بنظرة غاضبه أن يتركها وينصرف .. شعرت ساندى بالڠضب الشديد .. فما كانت تتوقع تلك المعاملة من
تم نسخ الرابط